العمق ومقومات الصورة الكلية في قصة (ليلة هلع عند ناهد)
د.مصطفى الضبع
مصر
هناك فرق بين الرؤية الشعرية والرؤية السردية، فالشاعر يمرر العالم من خلال ذاته، بينما السارد يقوم بعكس ذلك تماما، فهو يمرر ذاته من خلال العالم، أي أن كل الأشياء في التعبير الشعري تمر عبر ذات الشاعر، في حين يقوم السارد بتمرير ذاته عبر الأشياء، وهنا الفرق واضح بين ذاتية الشاعر وغيرية السارد، وهذا الأخير يعبر عن ذاته من خلال الآخرين وعبر أقنعة، من خلال مساحات التخزين.
هذا يقودني إلى الحديث عن نقطتين:
* النقطة الأولى تتعلق بالقصة التي تقدم صورة كلية تتكون من ثلاثة مقومات: الصوت واللون والحركة، وهنا تبرز قدرة وحيوية النص على تقديم المساحات الصوتية اللونية الحركية.
* النقطة الثانية: من أين يكتسب النص عمقه؟ النص عميق وله مستوياته، يمكن الإشارة إلى مجموعة من العناصر التي منحت هذا النص عمقه: اللغة التي أهتم بها كثيرا، زاوية الرؤية ومستوياتها، من يرى؟ ولمن يرى؟ وماذا يرى؟ وكذلك روح الحكاية، وهنا دائما أدعو الكتاب إلى تطوير ما يريدون، لكن لا بد أن يحافظوا على الحكاية، لا بد أن تكون في النص حكاية، وللقارئ أن يركز على المستوى الذي يريد، فالنص يشبه البحر، ونحن نتعامل معه بمستوى واحد إما النظر أو السباحة أو الغوص، طرائق السرد نفسها تتصور في تتابعها، كما أشارت إلى ذلك د. زكية العقوري، والسارد هو سفير الكاتب في النص، يتحدث باسمه ويطرح ما يريد أن يقوله، وبالتالي ففكرة إدارة اللغة وفكرة إدارة المشاهد وفكرة إدارة التفاصيل وإدارة النص من خلال هذه المناطق بشكل عام.
كلمة واحدة في النص لم أتوافق معها لأنها زائدة في الجملة، وهي (في بطني)، ولذلك وجب حذفها، (أحسست بمغص في بطني حتى قبل أن أمد يدي إلى الصينية) لأن المغص هو ألم البطن، فنقول (أحسست بمغص حتى قبل أن أمد يدي إلى الصينية) وهذا التعديل له أهميته في التعبير والاقتصاد اللغوي.
النصوص السطحية لا تكون راسخة، ولا يعول عليها كثيرا، لكن هذا النص (ليلة هلع عند ناهد) يُحسب لصاحبه باقتدار، فهو نص عميق، ونهايته ارتدادية تعود بنا إلى بداية النص، بالجملة التي بدأت وانتهت بها القصة (لم أدر ماذا حدث بعد ذلك).
هناك معيار آخر يدل على عمق هذا النص وتمكن الكاتب وهو اشتغاله على الأشياء، في النص أمثلة كثيرة منها الثلاجة والقط ورأس الوعل ... هذه الأشياء توظف جيدا في هذه القصة وبطريقة دينامية، فالأشياء ليست جامدة ولا ثابتة في النص، بل متحركة تخدم تنامي الحدث واستمرار التلقي لدى القارئ.
فهنيئا للكاتب عبد القهار على هذا النص العميق.